المؤلف:
ولد ويليام شكسبير سنة 1564م ومات سنة 1616م، وهو كبير الشعراء الإنجليز. كان ممثلا ومؤلفا مسرحيا، وكان أبوه، جون شكسبير، ابن أحد الفلاحين، غير أنه عمل في التجارة في منطقة (ستراتفورد ابون افون) ثم أصبح فيما بعد أحد المواطنين البارزين في تلك المنطقة، وتزوج (ميري اردن) ذات الثقافة الجيدة والطبقة الاجتماعية العليا نسبيا مما خدم جون كثيرا على الصعيد الاجتماعي في منطقة ستراتفورد.
كان ويليام شكسبير هو ابنهما الأول، وحين بلغ سن العشرين كان أبوه غارقا في الديون، الأمر الذي أصاب مركز العائلة الاجتماعي بالتدهور. ولهذا فإن ويليام شكسبير قد لا يعتبر كاتبا أرستقراطيا فكتاباته لا تنزع إلى إعمال الفكر والعقلانية والفلسفة، وإنما كان همه الأول هو توفير لقمة العيش.
لا يتوفر الكثير من التفاصيل عن حياة شكسبير، لكن المعروف عنه أنه تزوج في سن الثامنة عشرة من السيدة (آن هاثاوي) التي كانت في السادسة والعشرين، وكان له من الولد ابنتان وابن توفي صغيرا اسمه (هامنت).
تعتبر هذه المسرحية من أواخر ما كتب شكسبير، حينما كان في الأربعينيات من عمره، فهي تعد آخر تراجيدياته الأربع المفضلة (بالإضافة إلى هاملت وأوثيلو والملك لير). ومن خلال هذه المسرحية يمكن ملاحظة مهارات شكسبير في الكتابة الشعرية وفي سبر أغوار النفس البشرية في آن واحد.
وقد قدمت مسرحيته هذه على خشبة المسرح لأول مرة عام 1606م، أي بعد ثلاث سنوات من تولي الملك جيمس الأول زمام الحكم بعد الملكة اليزابيث الأولى. وكان شكسبير هو الكاتب الأكثر شعبية في ذلك الوقت. ويمكن للقارئ أن يلاحظ من خلال موضوع ومحتوى المسرحية أنها ربما كتبت لنيل رضى ذلك الملك، خصوصا إذا علمنا أن أحد أجداد الملك جيمس الأول اسمه (بانكو)، وهو نفس الاسم لشخصية (بانكو) في المسرحية التي بين أيدينا، ذلك الصديق الوفي الطيب الذي يميل دوره إلى الخير والإخلاص والتفاني، والذي يأتي في المسرحية جدا للملوك، كما تقول نبوءة المشعوذات.
أهم أحداث المسرحية:
تبدأ المسرحية في اسكتلندا بظهور ثلاث عجائز مشعوذات(1) في مكان مهجور وسط البرق والرعد يقرأن التعاويذ ويقلن أنهن سيقابلن شخصا يدعى (ماكبث)، أمير مقاطعة جلامس، ثم يختفين من المشهد.
بعد ذلك نرى معسكرا للملك (دنكن)، ملك اسكتلندا، وعسكره وبعض أتباعه، ويتبين أن هناك معركة بالقرب من الموقع، فقد قرر بعض المواطنين الخروج على هذا الملك، لكن الملك نفسه بات يشعر بأن سنه المتقدمة قد لا تمكنه من مقاومة هذا العصيان، لكنه يريد أن يعرف إلى أي مدى يمكنه الاعتماد على الجيش.
في هذه الأثناء يأتي أحد الجنود الجرحى للملك بأخبار المعركة "البالغة الدموية"، غير أن (ماكبث) - كما يقول ذلك الجندي - قد أبلى بلاء حسنا وقاتل قتالا ضاريا وقضى على زعيم المتمردين، فيتأثر الملك كل التأثر بشجاعته وبأسه. ثم يصل أمير مقاطعة (روس) بأخبار جديدة مفاجئة مفادها أن أمير مقاطعة (كودور) وأحد قادة الجيش، الذي كان يعد من أكثر رجال الملك إخلاصا وولاء، هو أحد زعماء المتمردين.
بعد ذلك يحقق جيش الملك النصر فيأمر الملك بإعدام ذلك القائد المتمرد وتنصيب (ماكبث) مكانه.
قبل أن يصل رجال (دنكن) لنقل هذه الأخبار السعيدة لـ (ماكبث)، نرى (ماكبث) مع صديقه (بانكو)، وهما الذين قاما معا بقيادة جيش (دنكن)، نراهما عند العجائز المشعوذات. وبينما تثير تلك العجائز فضول (بانكو) واستخفافه بهن، نرى (ماكبث) يصغي لما يقلن بعناية واهتمام بالغين رغم أنهن لم يقلن له إلا القليل؛ فهو - كما يقلن - سيكون أمير مقاطعة (كودور) وسوف يتولى عرش الملك. أما (بانكو) فرغم أنه لن يكون ملكا يوما من الأيام إلا أنه سيخرج من عقبه الملوك. أطلقت العجائز هذه الكلمات، ثم لفهن الظلام.
لم يكد يصدق الرجلان ما سمعا، وراحا يتندران بتلك التنبؤات التي تقول أن (ماكبث) الآن هو أمير مقاطعة (كودور). لكن الأخير بدأ يفكر في الأمر مليا؛ هل من الممكن أن يكون ملكا يوما من الأيام؟
في المشهد التالي نرى الملك (دنكن) يشكر (ماكبث) شخصيا على الملأ ويطري شجاعته وبلاءه الحسن في المعركة. لكنه يصرح بأن وريثه على العرش إنما هو ابنه (مالكولم)، وهذا الأمر لا يسر (ماكبث) على الإطلاق، فقد كان يحلم منذ وقت مبكر بوضع تاج الملك على رأسه هو دون غيره.
بعد ذلك ينتقل المشهد إلى قلعة (ماكبث)، فنرى زوجته تقرأ رسالة منه يخبرها فيها عن أمر الساحرات الثلاث. ويظهر جليا أنها ستضحي بأي شيء من أجل أن ترى زوجها، (ماكبث)، ملكا. وحين تعلم برغبة الملك (دنكن) بقضاء ليلة في قلعتها، ضيفا عليها وعلى زوجها (ماكبث)، تتعجب من براءته وقلة إدراكه وتسيطر عليها فكرة اغتياله.
وهنا المفارقة، ففي تلك الليلة، بينما الملك وحاشيته في ضيافة (ماكبث) وزوجته، يقوم هذان المضيفان سرا بالتخطيط لموته. لكن (ماكبث) يصيبه شيء من الخوف والتوجس حول ما يزمع القيام به ثم ينوي التراجع عن هذا الأمر، لولا أن زوجته تدفعه دفعا لقتل الملك وتتهمه في رجولته قائلة له إنه إن هو تراجع عن تنفيذ الخطة في تلك الليلة فلن تعتبره رجلا بعدها. وتحت الضغط والتحدي الشديدين من زوجته، ينفذ (ماكبث) جريمته ويقتل الملك، تلك الجريمة التي صارت تقض مضجعه كثيرا فيما بعد.
لا أحد يبدو لنا، عند اكتشاف جثة الملك صباحا، أكثر مفاجأة وصدمة من الزوجين المجرمين. فهاهو (ماكبث) يلقي باللائمة على خدم الملك (دنكن) ويأمر بقتلهم جميعا، متظاهرا بأن هول المفاجأة جعله غير قادر على التحلي بفضيلة العفو والتسامح مع القتلة، وأن الغضب أعماه فأصبح لا يحسن التحكم بقراراته جيدا. لكن ابني الملك القتيل، (مالكولم) و(دونالبين)، صارا يتوجسان خيفة وباتا على يقين بأن وراء الأكمة ما وراءها بعد أن انتشرت رائحة الخيانة. وعلى ذلك يقرران الهرب خوفا من أن يكونا الضحية التالية، وهكذا تم تتويج (ماكبث) ملكا على البلاد.. لقد تحقق كلام المشعوذات أخيرا وصار لـ (ماكبث) كل ما يتمناه.
بيد أن (ماكبث) صار لا يجد للنوم طعما، فهو يخشى أن يكتشف بعض أمراء المقاطعات حقيقة مقتل الملك. والأسوأ من ذلك أن العجائز أخبرن صديقه (بانكو) أنه (الأخير) سيكون أبا للملوك. وللحيلولة دون ذلك يقرر (ماكبث) قتل صديقه (بانكو)، لكن هذه المرة دون مساعدة زوجته، فيرسل ثلاثة رجال لقتله هو وابنه (فلينس)، ويُقتل (بانكو) ويتمكن ابنه من الهرب.
في تلك الليلة يقيم (ماكبث) وليمة دسمة في قلعته لكن شبح صديقه القتيل يظل يطارده فيفزع كالمجنون كلما رآه وسط دهشة واستغراب الحاضرين الذين لا يرون شيئا.
يعود (ماكبث) لزيارة المشعوذات مرة أخرى، فهو يخاف على العرش الآن أكثر من أي وقت مضى. لكنهن يخبرنه بثلاثة أشياء:
أولا: أنه يجب أن يخشى من (ماكدف) أمير مقاطعة (فايف)،
ثانيا: أن (ماكبث) لن يضره كل من ولدته امرأة،
ثالثا: أنه لن يهزم حتى تنتقل غابة (بيرنام) إلى تل (دنسنان).(2)
لقد أعطت العجائز (ماكبث) نصيحة ثمينة عما يضمره له (ماكدف)، أمير مقاطعة (فايف)، وبعثن في نفسه شعورا بالطمأنينة الخادعة، فكيف يدور في خلده أن هناك رجلا لم تلده أمه؟ وكيف لغابة أن تنتقل من مكان إلى آخر؟
أما (ماكدف) فقد ذهب لإنجلترا من أجل مقابلة (مالكولم)، الملك الشرعي، وبدآ يخططان للانتقام. ويعلم (ماكبث) بالأمر فتثور ثائرته ويقتل زوجة (ماكدف) وأطفاله.
عندما يسمع (ماكدف) بالأخبار السيئة يشتد غضبه وحنقه ويعقد العزم مع (مالكولم) على خلع (ماكبث) الطاغية عن العرش، ويغادران إنجلترا بعشرة آلاف مقاتل.
في اسكوتلندا، يبدأ كل ما بناه (ماكبث) بالتصدع والسقوط، فيهجره أتباعه، وتصاب زوجته بالجنون، ولا يبقى له إلا تلك العجائز المشعوذات.
في طريق جيش (مالكولم) إلى قلعة (ماكبث) في منطقة (دنسنان) يأمر (مالكولم) جنده بقطع فروع الأشجار من غابة (بيرنام) وحملها من أجل التمويه.
وبينما ينتظر (ماكبث) الهجوم في منطقة (دنسنان) يأتيه خبر انتحار زوجته، لكنه لا يلبث أن يخبره بعض جنوده بأن غابة (دنسنان) تبدو كأنها تتحرك باتجاه منطقة القلعة! فتثور ثائرته وينتابه الهلع والارتباك والإحباط، ويبدأ بالصياح بين جنوده.
عند وصول جيش (مالكولم) يرمي الجند أغصان الشجر وتدور رحى المعركة ويحمى وطيسها على (ماكبث) ثم يبدأ جيشه بالتفكك، لكنه يقاتل كحيوان هائج.
أخيرا يتقابل (ماكبث) مع (ماكدف) الذي كان يبحث عنه في ميدان المعركة، يتقابلان وجها لوجه؛ فيقول (ماكبث)، محذرا خصمه، إنه يجب أن يعلم أنه لن يضره كل من ولدته أمه. لكن (ماكدف) يسخر منه قائلا أن أمه لم تلده ولادة طبيعية وإنما أخرج من بطنها بعد شقه.
ورغم قناعة (ماكبث) بدنو أجله فقد ظل يقاتل (ماكدف) حتى قتله الأخير وقطع رأسه ورفعه أمام الجيش الذي التف على (مالكولم) مبايعا له ملكا على البلاد.
شخصية (ماكبث):
تجمع شخصية (ماكبث) تناقضات كثيرة، فهو يقدم على قتل سيده الملك (دنكن) وصديقه المخلص (بانكو) في سبيل تحقيق طموحه القاتل، لكننا نراه في نفس الوقت يعاني من وخز الضمير فمجرد التفكير في جرائمه يعذبه ويقض مضجعه حتى قبل الإقدام عليها. هل يمكننا اعتباره وحشا قاسيا أم ضحية العجائز العرافات وطموحه الجامح؟ أم كليهما؟ وكيف أمكن الجمع بين هذه الجوانب كلها في شخصية واحدة؟
إن الجرائم التي ارتكبها تجمع بين الوحشية والخيانة؛ فهو يقتل الملك الذي ائتمنه وعينه مدافعا عن مُلكه، وكان الأخير في ضيافته وقت ارتكاب الجريمة، ومعروف أن حماية الضيف من أكبر مسئوليات المضيف. ثم أنه يستأجر القتلة ليقتلوا صديقه المخلص (بانكو) وابنه (فلينس). ويرسل رجاله لقتل زوجة وأبناء (ماكدف) الذين لا ناقة لهم ولا بعير في الصراع الدائر أصلا. أما بعد توليه العرش فإنه يحتفظ به عن طريق الخداع وبث الجواسيس في بيوت النبلاء، وينشر الشائعات حول (مالكولم)، صاحب الحق في وراثة الملك.
لقد اقترف (ماكبث) كل هذه الجرائم، لكن هذه شخصيته تختلف عن بعض الشخصيات الشريرة في المسرح الشيكسبيري، كشخصية (أياجو) في مسرحية أوثيلو، التي تستمرئ الشر وتعتبر الفضيلة والخير هي ما نعتقد أنه الرذيلة والشر، وهذا مؤشر على القياس الفاسد المقلوب، وهذه الصفة تطبع الشخصية بطابع البساطة والمباشرة. أما في حالة (ماكبث) فإن الأمر أكثر تعقيدا فهو في بداية المسرحية، على الأقل، يظهر ذا ضمير يدله على أن ما يقدم عليه خطأ.
إن قتل الملك يثير هلعه وخوفه، فقبل الإقدام على ذلك نجده يخبر زوجته أنه لن يستطيع الخروج من هذا الأمر بسلام، لكنها تدفعه دفعا لذلك، ثم نجده يندب حظه قائلا أن كل محيطات العالم "لن تكفي لغسل الدم من يديّ".
إن ما يبدو واضحا هو أن طموحه أقوى بكثير من صوت ضميره، أضف إلى ذلك إغواء العجائز الثلاث وإغرائهن إياه بالمُلك، ودفع زوجته إياه لاقتراف الجريمة سعيا وراء تحقيق الطموح. عندها يجد (ماكبث) نفسه منساقا لارتكاب سلسلة من الجرائم لا فكاك منها للحفاظ على العرش، فتصبح القيم لديه مشوشة ومضطربة تماما.
كما يمكن ملاحظة الاضطراب والارتباك العقلي الواضح الذي يعاني منه (ماكبث) حين يهم بقتل الملك؛ فهو يرى خنجرا يتحرك في الهواء، ثم بعد ذلك يسمع أصواتا غريبة، وبعد أن يقتل صديقه (بانكو)، يرى شبحه الذي يمثل له مصدر قلق وعذاب.
وهكذا تعد شخصية (ماكبث) من أكثر الشخصيات الشيكسبيرية تعقيدا، ومن أدعاها للتأمل والتحليل والأخذ والرد، حتى ليمكن لكل قارئ للمسرحية (ومشاهد لها بالطبع) أن يخرج بانطباع شخصي فريد يعكس نظرته الذاتية.